تركُ الوطن والإغتراب، هو موت قبل الموت، أن تعيش عمرك كاملاً باشتياق دائم لبيتك وأسرتك هذا هو الموت نفسه، لكل مغترب نعرفه ولكل مغترب يقرأ، لكم مني كلمات تحكي حزن صاحبها المغترب.
سافرت ورأيتُ شعوباً غيرنا فهمتُ معنى الانسانية والحياة ، عرفتُ أننا لسنا احسن شعوب العالم ولا اعرقهم ، واكتشفت ان بلادك صفراء وليست خضراء !!
علمت أننا عبئ على البشرية وعلى الحضارة ،
اكتشفت أننا نعيش وسط عقليات متحجرة و مجتمع يسبح في النفاق و مليئ بالتناقضات و الخرافات و الاساطير الخيالية ، تأكدت من ان لا وقت ولا طاقة ولا رغبة للغرب في التآمر علينا ، نحن فقط من نتآمر على بعضنا !!
لتأتي الأعياد والمناسبات وابقى انا قابعٌ في مكاني البعيد ذاك.. أراقب بشوق وغصة صور أحبابي وأقاربي المستمتعين بكل تفاصيل هذه اللحظات مُباشرة من "أرض الوطن".. ولاداعي لوصف مدى ألمه ومعاناته حين اسمع خبراً محزناً أو حدثاً أليما ألم بفرد من أهلي أو أصحابي وانا في "بلادات الناس" عاجز عن المشاركة إلا من خلال اتصال أو رسالة…
وامضي في تلك الحياة.. اتابع كاليتيم أخبار عائلتي وأحبابي من بُرجي ذاك.. وكلي لهفة وشوق لسماع أخبر سارة، كلمة مشجعة أو دعوة من أبي أو أمي تهون عليا "المرارة التي لا يعيها إلا العائم في بئر الغربة"..
فمهما علا شأني ، وزاد وهجي ومالي… تبقى بداخلي غصة حارة تزداد حرارتها على مر السنين… تنطفئ لوهلة بعد كل زيارة لي لبلادي. حيث أبدو عندها كالطفل البريء الذي يرتمي في حضن أمه الدافئ.. ذاك الحضن الفريد العجيب الذي يشحَنني طمأنينة ويروي عطش اشتياقي.. وتوقِد هذه النار مرة أخرى كلما غادرت البلاد وتوجت إلى مكاني الثاني..
وتبقى كل هذه الصور والمشاهد جزءاً لايتجزأ من مسلسل حياتي واقعي يُجسد أدوارَه أبطالُ الغربة بأداء إنساني بارع..
وفي الختام يحضرني مثل مغربي شهير يقول: "اللهم قطران بلادي ولا عسل بلادات الناس".. فأتساءل بصدق .. كم من شاب مهاجر عربي يحظى اليوم بالشجاعة والقدرة الكافية للتخلي عن "الرغد المزعوم" في بلادات الناس.. والعودة للارتماء في "قطران" بلاده؟
.
حينما اصبح العالم الافتراضي بديلاً وهمياً وزائفاً اسكت به جوارحي"غصباً" حر الأشواق الدامية.. وحينما جرأت على اتخاذ هذا العالم ذاته بمثابة وسيلة لاهية تَشفي بمُساعدتها غليل آهات حنين أليم..
تأكدت حينها أن داء الغربة قد نال مني..
© جميع الحقوق محفوظة لإذاعة توات أف أم الإلكترونية 2020